الحـريـة الحقـيقية ..![/b][/size]




يقبع كثيرون من الناس في قمقم شهوات نفوسهم ، يدورون معها كما يدور الحمار في ساقية !

والعجب أنهم يحسبون أنهم يحلّقون في فضاءات فسيحة ..!! هيهات هيهات!!

حين يستنير قلب هذا الإنسان ، وتضيء روحه ، ويتصل بمولاه ،
ويتذوق طيبات الطاعة ، ساعتها يعرف حقيقة ما كان فيه ، ويدرك من ثمّ كم كان واهماً وغبياً ..!!

وإذن : حجر الزاوية في تغيير الإنسان ليصبح على الصورة السوية ، هي :

أن يستنير قلبه ابتداءً ..

أي أن يستضيء قلبه بأنوار معرفة الله ، معرفة عميقة صحيحة..

إن أنوار هذه المعرفة تمنحه الحرية ..!

نعم .. الحرية الحقيقية ، الحرية من رق الأشياء ، وعبودية الهوى ..!

قال تعالى :

( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) ..

فالأصل أن مثل هذا الإنسان ، لا يستعبده شيء من أشياء هذه الأرض مهما علا أو غلا !

إن الإنسان الذي لم يشرق قلبه بأنوار التوحيد الخالص لله _ كما جاء في كتاب الله سبحانه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتذوق هذه الأنوار ..

هذا الإنسان شاء أم أبى ، يبقى أسيراً أمام أشياء كثيرة في هذه الحياة ..!

بل يبقى حبيساً في قفصها ، أشبه بالطائر في قفص كبير ، وهو مع هذا يحسب أنه يهوّم في فضاء رحب ، ويحلق في سماوات فسيحة ..!!

فكلما قويت أنوار معرفة الله سبحانه في القلب ، ومدت سلطانها في شغافه ، وتجذرت هنالك ، كان هذا الإنسان أكثر حرية من غيره ..!

فإذا ما ضعفت لسبب أو آخر ، سهل على الخفاش _ الشيطان _ أن يتحرك ويقوم ويقعد ، ويزين ويمني وييعد ..!

في الصحيح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة
تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتفش..!!

الحرية الحقيقية تحتاج إلى قلب مغسول ، وعقل مضيء ، وصدر رحب ، وروح محلقة في رحاب الله سبحانه .. وقلب لا يلتفت إلا إلى الله جل جلاله ..

في مدرسة التوحيد الصحيح ، تتعلم كيف تنطق بشكل صحيح ، وكيف تتحرك بطريقة متميزة ، وكيف تصنع الأحداث من حولك ..!!

كان ابن تيمية رحمه الله يقول :

المحبوس من حبس قلبه عن ربه ، والمأسور ، من أسره هواه !

ولو أنك تأملت الآية التي مرت بنا قبل قليل ، لتجلى لك أن هناك صنف من الناس ، أمسى الهوى معبوداً عندهم ، وتراهم في محرابه ركعاً سجداً ليلهم ونهارهم !!

ومع هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا !!

راقب أجواء قلبك كل حين ، واجهد أن تمده بغذاء يومي من الذكر الكثير ، والتلاوة الخاشعة ، والسجود والركوع ، والتفكر في الآيات المقروءة والمنظورة ، وبذل النصح لكل إنسان ، وقراءة أو سماع ما يفيد ، وجلوس مع من ينتقي أطايب الكلام ..

ونحو هذا مما يعتبر مدد نوراني يومي لهذا القلب .. فإن هذا ومثله هو الغذاء اللازم لاستمرار حياة هذا القلب ، ليجد نفسه حراً مستعليا على رق الأشياء ..

فإذا ما فقد القلب هذا الغذاء ، وانقطع عنه ، أو قل كثيرا إلى درجة لا تغنيه ، فما أيسر على النفس أن تتفرعن !!

وسرعان ما يجد القلب نفسه مأسوراً مستذلاً مهين
[/b][/b][/size][/size]